حل عيد المعلم…

خلدون ضياء الدين 

عام آخر، وعيد معلم آخر!

لماذا العيد؟ ولماذا عيدٌ للمعلم بالتحديد؟
هل لتكريمه؟ هل لتذكر مآثره؟ هل لتحسين حاله؟ هل للتواصل معه؟ هل هو مرور الكرام
على مناسبة ويغسل المرء يده بعد ذلك في 364 يوماً آخرين (يعني فض عتب كما يقال في
حلب)؟
العيد بهجة، والبهجة يجب أن تكون لكل المحتفلين بالعيد، المحتفِلين والمحتفلُ بهم! فهل هذا
هو ما يحصل في هذا العيد؟
يُفترَضُ في الاحتفال أن يشعر جميع من يحتفل به بالبهجة والسرور فهل هذا ما يحصل؟
يُسنُّ مثلاً في عيد الفطر أن يعطى للفقير ما يشعره بالفرحة في يوم الفطر وشبيه ذلك يسن
له في عيد الأضحى.. فماذا سُنَّ في عيد المعلم؟
أولا ، هل يشعر المحتفلو ن بالمعلم بأنه يؤدي شيئاً؟ لننظر إلى المعلم كيف ينظر إلى دوره
وعمله وتضحياته آخذين ذلك من فم أحد المعلمي ن حين يقول الشاعر الأديب والمدرّس
فاضل ضياء الدين في الفصل الثاني من كتاب فاضل ضياء الدين في قصيدة طيوف على
شاشة الذكريا ت حين يذكر ثانوية المأمون ومدرّسيها:

هل يعرف المحتفلون بأن المعلم الحقيقي همّه صقل الأخلاق ورعاية النفوس الطرية التي
وضعت بين أيديهم أمانة؟ هل يعرف المحتفلون بأن عيون الأساتذة تذوب وتطمس وتمرض
من كثرة السهر للتحضير والتصحيح وفك الخط؟ أيدري أولئك المحتفلون بأن حنجرة
الأستاذ عبارة عن منفاخ يعمل ليصل صوته إلى كل مريد ويتناغم مع دقات القلب التي تغلي
لتبين فكرة أو حقيقة لمن يقف في الصف منتبهاً؟
لن يكون الاحتفال احتفالاً ما لم يدرك أصحاب الاحتفال ماهية الاحتفال… لقد سُ نّت -كما
قلنا- صدقة الفطر بعد أن يكون الصائم قد جرّب الصيام فعرفه وفهم الجوع وقساوته،
وهيهات للمحتفلين بعيد المعلم أن يتذوقوا عذاب الأستاذ والمعلم في عملهما، فذلك غير
ممكن لطبيعة الأشياء! فالمحتفل يتخيل ما يفعله الأستاذ ولكنه لا يدركه فعلاً، ولعَمري كأن
الأستاذ فاضل أحس بذلك حينما قال في نفس القصيدة:

والحقيقة أن الأستاذ فاضل زاد وأبدع في وصف ما يعانيه الأستاذ وحاول أن يبينه، وقد فعل
ذلك في قصيدة اخضوضر الغار وطال عمر الآس حين قال واصفاً نفسه، معبراً بلسان
آلاف الأساتذة والمعلمين عبر الزمن:

قال ذلك وهو ينظر إلى ما فات من العمر وما أنجزه.. ولعل من الملفت للانتباه بأنه وجّه
القصيدة إلى الأستاذ زهير مشارقة وزير التربية وقتها، أي أنه رئيسه الوظيفي مع العلم بأن
الأستاذ زهير مشارقة طالب من طلاب الأستاذ فاضل رحمه لله. فهل في هذا لفتة لإفهام
الوزير ماهية الأستاذ وما تحفّ هذه المهنة من مشاق، لعله يقوم بلفتة تجاه الأساتذة أو على
الأقل تجاهه هو…؟
نعم، إن عيد المعلم مناسبة رائعة لو أنها قُرنت بمزيد من الاحترام للمعلم والأستاذ.. مناسبة
رائعة لو تُرجم ذلك الاحترام إلى مزيد من التقدير المعنوي والمادي حتى يكون الأستاذ
والمعلم متفرغين لمهمتيهما ورسالتيهما فيستفيد الطلاب وتستفيد الأجيال… ولعل في رسائل
اساتذتنا الذين سبقونا إشارات ودعوا ت، بل صيحات إلى ذلك!
رحم لله الأستاذ فاضل ضياء الدين ورحم لله كل زملائه الأساتذة في كل مكان وأمد الأحياء
منهم بالقوة والصبر والعزيمة ليقوموا بمهمتهم خير قيام إلى أن يقضي لله أمراً كان مفعولاً.